إدارة التعليم والإرشاد الأكاديمي والمهني وتوجيه المورد البشري ورأس المال الإماراتي

بقلم: الدكتور محمد هلال القوابعة ـ دكتوراه في القياس والتقييم ـ أكاديمي وباحث أول

تاريخ النشر: 6/1/2023 – الإمارات –

يؤمن المتميزون دوماً بأهمية استشراف المستقبل (Forecasting the future) والتنبؤ بما هو قادم؛ في صناعة المستقبل بحنكةٍ وذكاء، من خلال بناء خطط استراتيجية متميزة ومحبوكة بشكلٍ ممتاز من شأنها أن تميز المجتمعات، والأمم المتقدمة، عمَّن سواها، وقد أصبح موضوع استشراف المستقبل من الضرورات الملحة في عصرنا الحالي، لاسيما وأن التغيرات المتسارعة، التي تحدث يوماً بعد يوم عجِلَة جداً، ومتنامية بسرعة، والأحداث متداخلة ومتلاحقة، والتطلعات متزايدة وملحة، والحديث عن المستقبل هو بمثابة الحديث عن مصير الأجيال القادمة، أي ميراث البشرية لجهة انقطاع الحضارة، واستمرار الإنسانية، أو ديمومتها.

ويعتبر استشراف المستقبل، والتنبؤ بما هو قادم من العلوم الحديثة ومن المجالات التي لها ثقل مستقبلي والتي يجب أن تكون داخل المؤسسات لضمان نجاحها حيث بدأت الكثير من المؤسسات في التفكير بجدية في استخدامه قبل عملية التخطيط لتشكيل المستقبل واستغلال الفرص المستقبلية، وكذلك التعامل مع المخاطر المستقبلية، ولا بد من إدراك أهمية الاستشراف المستقبلي، والتفريق بينه وبين التخطيط الاستراتيجي، وما هي أدواته وكيف يتم تنفيذه بشكل تطبيقي بحسب طريقة دلفي، أو بناء، وكتابة السيناريوهات المستقبلية، وأيضاً كيف يساعدنا هذا الاستشراف في تشكيل المستقبل وتعليم المتدربين استخدامه بشكل عملي قبل البدء في تخطيط أي مشروع مستقبلي.

وعطفاً على ما سبق فإن معظم مدارس الإدارة تتفق على أن أية نظام يتشكل من ثلاثة مكونات رئيسة هي: المدخلات، والعمليات، والمخرجات وعليه فإن النُظم التعليمية تتكون من مدخلات تعليمية عمودها الأساس، ومادتها الخام هم أبناؤنا الطلبة؛ بمختلف مستوياتهم التعليمية، وهم أنفسهم مخرجات هذا النظام، بعد تعريضهم لعمليات، وبرامج، ومناهج مدروسة، ومخطط لها بعناية.

حقيقيةً أن ما سبق هو ما يجب أن تكون عليه الحالة المثالية، ولكن المتتبع لمخرجات النظم التعليمية في معظم دول العالم، بمستوياتها المتباينة يجد واقعاً مريراً بعيداً عن هذه المثالية، وهذا التصور فهناك واقعاً صادماً يتمثل في وجود مستويات مرتفعة من البطالة، بين خريجي معظم التخصصات، ويجد مستوياتٍ متدنية من الرضا الوظيفي، والاستقرار المهني، كما ويجد افتقاراً موجعاً في المهارات الأساسية لمعظم هؤلاء الخريجين، بالإضافة لعديد المشكلات، والقضايا، التي تجبر صٌنَّاع القرار في الأنظمة التعليمية على ضرورة الإصغاء لهذا الواقع، والعمل على مراجعة خططهم، وقراراتهم السابقة.

وفي ظل هذا الواقع المرير، وتماشياً مع ما يشهده العالم من قفزات سريعة، ومتتالية، في عالم التكنولوجيا، وذكاء الآلة، وما نلحظه من سباقٍ محموم في مختلف المجالات فأنه ينبغي علينا جميعاً أن نتشارك هذا الهم في تربية وإعداد الأجيال، وأن ندلي بدلونا نحن هنا في جمعية الإمارات للإدارة العامة، وندعو إلى التذكير بضرورة تقييم مدخلات هذا النظام، وتشخيص قدراتهم، واستعداداتهم وميولهم المِهنية، بشكلٍ علمي، وذكي، ومدروس، ودقيق.

 هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فأننا على استعداد في جمعية الإمارات للإدارة العامة، لمشاركة كافة الجهات ذات العلاقة من المؤسسات المعنية بإعداد، واستقطاب، وتشغيل المورد البشري الإماراتي، خبراتنا وبحوثنا من أجل العمل على متطلباتها من هذا المورد، لخمس سنوات قادمة على الأقل، مزودةُ بتفاصيل دقيقة عن المهارات اللازمة لكل وظيفة، يطلبها سوق العمل، وبتحليل تفصيلي لمدخلات المورد البشري الإماراتي ليتسنى لنا بعد ذلك كله دعم دور القائمين على التعليم، بمستوياته المختلفة: العام والعالي بتصميم عملياتهم وبرامجهم ومناهجهم وخططهم الدراسية بالشكل الذي يوفق بين هذه المدخلات، والمخرجات المتوقعة، ويحقق أعلى درجات متطلبات الفاعلية، والكفاءة في التعليم.

كما أننا نؤكد هنا ومن منطلق الانتماء لهذا المجتمع، وتحقيقاً لأهداف جمعيتنا على استعدادنا التام ومن خلال الخبرات المتواجدة في هذه الجمعية الفتية عمراً، والعميقة فكراً، وخبرةً، وتجربةً؛ على التطوع، والعمل تحت لواء أي مؤسسة وطنية، وأية دراسة هدفها معالجة هذه المشكلة، وتعزيز العمل الإداري في قطاع التعليم، وتجويده من أجل الوصول للمخرج التعليمي الذي يحقق رؤية القيادة، والدولة في إنتاج رأس مال بشري إماراتي متسلح بالمهارات، وقادر على مواجهة التحديات من أجل وضع اسم الإمارات عالياً، على الدرجات الاُوَل من سلم التنافسية العالمية.

والله الموفق

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *