بقلم: الدكتور عبداللطيف العزعزي – الإمارات.

التاريخ: 25/05/2023

بعيداً عن الفكر السائد في القرون الماضية والذي كان يدعو إلى الحرص في أن تكون الدول مهابة ويخشاها الآخرون أكثر من كونها محبوبة، تسعى الدول في العصر الحديث أن يكون لها مكانة مرموقة بين الدول وصورة جاذبة ومحببة، فتعمل جاهدة لنشر هويتها وثقافتها وتعزيز قوتها الناعمة في العالم فتؤثر في توجه المجتمعات إليها من خلال ما تقوم به وما تفعله وما تصنعه عن طريق استخدامها لموارد القوة الناعمة والتي تشتمل على ثلاثة عناصر؛ القيم السياسية داخلياً وخارجياً، والسياسات الخارجية عن طريق الدبلوماسية وتفاعلها مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية وغيرها، ثم تأتي النقطة الثالثة والجوهرية وهي الثقافة التي يقول عنها جوزيف ناي تعد حجر الزاوية للقوة الناعمة؛ لأنها تمثل ممارسات الدولة الجاذبة للجمهور، مثل الفن والتعليم والتراث.. إلخ. كما يرى جوزيف ناي أن من أهم عناصر القوة الناعمة للدولة هو متغير الثقافة، حيث يرى أن الدبلوماسية الثقافية هي أفضل مثال على ما يسمى بالقوة الناعمة، أي إمكانية الاتصال بالقيم والأفكار عبر قنوات الثقافة، عكس القوة الصلبة.

وبرغم من قدم ممارسات مفهوم القوة الناعمة إلا أن عالم السياسة جوزيف ناي أظهر مصطلح “القوة الناعمة” في عام 1990 في كتابه الذي يحمل عنوان “الطبيعة المتغيرة للسياسة الأمريكية”، حيث عرفها وقال بأنها “قوة الجاذبية، أن تكون جذاباً بالنسبة للآخرين، لا أن تضعهم في صفك وبجانبك بواسطة الإكراه واستخدام السلاح، أو بدفع الأموال”، إذن هي عملية إحداث التأثير في عقول وسلوكيات المجتمعات بطريقة جذابة وغير مباشرة بعيداً عن الإرغام والإكراه.

فالقوة الناعمة مصطلح جديد يشكل أحد أشكال القوة التي تستخدمها الدول في سياستها الخارجية، فهي تعني أن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق، ومن خلال الدعم في مجالات حقوق الإنسان، والبنية التحتية والثقافة والفن، مما يدفع الآخرين إلى احترام هذا الأسلوب والإعجاب به ثم اتباع مصادره. كما أنها (أي القوة الناعمة) محصلة نشاطات المجتمع المدني، ومشاركته الحرة والطوعية في تحقيق المصالح الوطنية للدولة، عبر تصدير صور إيجابية عن المجتمع والدولة في كل مجالاتها مثل الأدب والفن والسينما والموسيقى والعلم وغيرها، فتظهر من خلال الأدباء والفنانين والرسامين والشعراء والعلماء والشخصيات الرياضية والمشاهير وغيرهم.

ترتبط القوة الناعمة في الغالب بالعولمة، ففي مرحلة تاريخية معينة كانت إحدى الوسائل المؤثرة في السياسة الخارجية الأمريكية المأكولات والأفلام ومدن الملاهي وألعاب الأطفال ومنتجات سليكون فالي وغيرها، حيث شكلت قوة ناعمة كان لها تأثير كبير على دول العالم في مراحل زمنية مختلفة.

جاء في دراسة بعنوان “من القوة الناعمة والثقافة الشعبية إلى السياسة العالمية” التي صدرت في عام 2011 وقادت فريق تحرير الدراسة كريستينا رولي من جامعة بريستول في المملكة المتحدة، أن النصوص الثقافية الشعبية والمؤسسات والممارسات سواء وسائل الإعلام أو الرياضة أو الأفلام أو السياحة، غالباً ما يتم تصنيفها باعتبارها أصولاً لقوة ناعمة كبيرة.

تحقيق استراتيجية القوة الناعمة تحتاج لثلاث شروط هي: أولاً الاستدامة في ممارسة تنفيذ القوة الناعمة بحيث تكون طويلة المدى وقابلة للتطوير باستمرار، ثانياً أن تتولى متابعة تنفيذها جهة محددة وواضحة وذات كفاءة ترجع مباشرة لقيادة الدولة. ثالثاً أن تغطي استراتيجية القوة الناعمة جميع مجالات وأدوات ومؤشرات القوة الناعمة من الناحية السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية والتقنية وغيرها.

ولتوضيح ما قد تشمله استراتيجية القوة الناعمة لأي دولة، نأخذ استراتيجية القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة التي منذ تأسيسها وهي تقوم بمبادرات كثيرة حول العالم تظهر قوتها الناعمة ودبلوماسيتها العامة، فقد أسست دولة الإمارات مجلس القوة الناعمة في عام 2017، وأطلق المجلس في العام نفسه استراتيجية القوة الناعمة للدولة والتي تتألف من 7 محاور أساسية تشكل إطار الدبلوماسية العامة للدولة، وهي كما يلي:

  1. الدبلوماسية الإنسانية.
  2. دبلوماسية الشخصيات والتمثيل الدولي.
  3. الدبلوماسية الشعبية.
  4. الدبلوماسية العلمية والأكاديمية.
  5. الدبلوماسية الثقافية والإعلامية.
  6. الدبلوماسية الاقتصادية.
  7. الهوية الموحدة.

تقبلوا تحياتي

——-

المراجع:

– موقع البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة.

– سليم، رجاء (2021)، تعزيز دور الدبلوماسية الشعبية لتفعيل القوى الناعمة لمصر، بقلم خبير، إصدارة إلكترونية نصف شهرية، يصدرها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار – رئاسة مجلس الوزراء، مصر.

– موقع المجلة العربية، القوة الناعمة.. دبلوماسية الثقافة الشعبية والعلاقات الدولية، تاريخ النشر 17/7/2018

– الحويل، فيصل سليمان (22)، حكايات القوة الناعمة، الدبلوماسية والعلاقات الدولية في القرن ال 21، الطبعة الثالثة، دار تشكيل للنشر والتوزيع، السعودية.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *